الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ بِحَيْثُ لاَ يَجِدُ تُرَابًا ، وَلاَ مَاءً أَوْ كَانَ مَصْلُوبًا وَجَاءَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ كَمَا هُوَ وَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ ، وَلاَ يُعِيدُهَا , سَوَاءٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ إلاَّ بَعْدَ الْوَقْتِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وقوله تعالى : وقوله تعالى : وقال أبو حنيفة وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ : لاَ يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ مَتَى وَجَدَهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى , ثُمَّ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ ، وَلاَ بُدَّ مَتَى وَجَدَهُ , وَإِنْ خَشِيَ الْمَوْتَ مِنْ الْبَرْدِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَأَجْزَأَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ : يُصَلِّي كَمَا هُوَ , فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ مَتَى وَجَدَهُ , فَإِنْ قَدَرَ فِي الْمِصْرِ عَلَى التُّرَابِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى , وَأَعَادَ أَيْضًا ، وَلاَ بُدَّ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ. وَقَالَ زُفَرُ فِي الْمَحْبُوسِ فِي الْمِصْرِ بِحَيْثُ لاَ يَجِدُ مَاءً ، وَلاَ تُرَابًا أَوْ بِحَيْثُ يَجِدُ التُّرَابَ : إنَّهُ لاَ يُصَلِّي أَصْلاً حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ , لاَ بِتَيَمُّمٍ ، وَلاَ بِلاَ تَيَمُّمٍ , فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ تَوَضَّأَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَوَاتِ , وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : لاَ يُصَلِّي ، وَلاَ يُعِيدُ , وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : يُصَلِّي كَمَا هُوَ ، وَلاَ يُعِيدُ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ , لاَِنَّهُ لاَ يُجِيزُ الصَّلاَةَ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْمِصْرِ لِغَيْرِ الْمَرِيضِ وَخَائِفِ الْمَوْتِ , كَمَا لاَ يُجِيزُ لَهُ الصَّلاَةَ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ ، وَلاَ فَرْقَ , ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَكِلاَهُمَا عِنْدَهُ لاَ تُجْزِيهِ صَلاَتُهُ فَأَمَرَ أَحَدَهُمَا بِأَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةً لاَ تُجْزِيهِ , وَأَمَرَ الآخَرَ بِأَنْ لاَ يُصَلِّيَهَا , وَهَذَا خَطَأٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ سُقُوطًا لاَ خَفَاءَ بِهِ , وَمَا لَهُ حُجَّةٌ أَصْلاً يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَخَطَأٌ , لاَِنَّهُمَا أَمَرَاهُ بِصَلاَةٍ لاَ تُجْزِيهِ ، وَلاَ لَهَا مَعْنَى , فَهِيَ بَاطِلٌ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَخَطَأٌ أَيْضًا , لاَِنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ لاَ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ فِيهِ , وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ تَأْخِيرِهِ الصَّلاَةَ إلَيْهِ , وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ فِي وَقْتِهَا أَوْكَدَ أَمْرٍ وَأَشَدَّهُ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَأَمَّا مَنْ قَالَ : لاَ يُصَلِّي أَصْلاً فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَقَالَ عليه السلام لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طَهُورٍ قَالُوا : فَلاَ نَأْمُرُهُ بِمَا لَمْ يَقْبَلْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ , لاَِنَّهُ فِي وَقْتِهَا غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ ، وَلاَ مُتَطَهِّرٍ , وَهُوَ بَعْدَ الْوَقْتِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا. قال علي : هذا كَانَ أَصَحَّ الأَقْوَالِ , لَوْلاَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْقَطَ عَنَّا مَا لاَ نَسْتَطِيعُ مِمَّا أَمَرَنَا بِهِ , وَأَبْقَى عَلَيْنَا مَا نَسْتَطِيعُ , وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْقَطَ عَنَّا مَا لاَ نَقْدِرُ عَلَيْهِ , وَأَبْقَى عَلَيْنَا مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ , بِقَوْلِهِ تَعَالَى : فَصَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام : لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً إلاَّ بِطَهُورِ إنَّمَا كَلَّفَ ذَلِكَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ الطَّهُورِ بِوُجُودِ الْمَاءِ أَوْ التُّرَابِ , لاَ مَنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى وُضُوءٍ ، وَلاَ تَيَمُّمٍ , هَذَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ , فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ سَقَطَ عَنَّا تَكْلِيفُ مَا لاَ نُطِيقُ مِنْ ذَلِكَ , وَبَقِيَ عَلَيْنَا تَكْلِيفُ مَا نُطِيقُهُ , وَهُوَ الصَّلاَةُ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمُصَلِّي كَذَلِكَ مُؤَدٍّ مَا أُمِرَ بِهِ , وَمَنْ أَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا نَصٌّ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ السَّلِيمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا النُّفَيْلِيُّ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَيْدَ بْنَ الْحُضَيْرِ وَأُنَاسًا مَعَهُ فِي طَلَبِ قِلاَدَةٍ أَضَلَّتْهَا عَائِشَةُ , فَحَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ , فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ , فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ , فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً فَوَجَدَهَا , فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا , فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ فَهَذَا أُسَيْدٌ وَطَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاءِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ ، وَلاَ مَاءَ مَعَهُ أَوْ كَانَ مَرِيضًا يَشُقُّ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فَلَهُ أَنْ يُقَبِّلَ زَوْجَتَهُ وَأَنْ يَطَأَهَا , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد , وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عُمَرَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ , وَقَالَ عَطَاءٌ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ ثَلاَثُ لَيَالٍ فَأَقَلَّ فَلاَ يَطَؤُهَا , وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ أَرْبَعُ لَيَالٍ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلاَ يَطَؤُهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ مَغْرِبًا رَحَّالاً فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا , وَإِنْ كَانَ لاَ مَاءَ مَعَهُ. وقال مالك : إنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلاَ يَطَؤُهَا ، وَلاَ يُقَبِّلُهَا إنْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ , فَإِنْ كَانَ بِهِ جِرَاحٌ يَكُونُ حُكْمُهُ مَعَهَا التَّيَمُّمَ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَيُقَبِّلَهَا , لاَِنَّ أَمْرَ هَذَا يَطُولُ. قَالَ : فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَطَهُرَتْ فَتَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا. قَالَ : وَكَذَلِكَ لاَ يَطَؤُهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مُتَيَمِّمَةً. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا تَقْسِيمُ عَطَاءٍ فَلاَ وَجْهَ لَهُ , لاَِنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ الْحَدَّ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُ الزُّهْرِيِّ , وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا , لاَِنَّهُ تَفْرِيقٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ لَمْ يُخَالَفْ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ احْتِيَاطٌ , لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى التَّيَمُّمَ طُهْرًا , وَالصَّلاَةُ بِهِ جَائِزَةٌ , وَقَدْ حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مُبَاضَعَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ , وَصَحَّ أَنَّهُ مَأْجُورٌ فِي ذَلِكَ , وَمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ مَنْ حُكْمُهُ التَّيَمُّمُ مِمَّنْ حُكْمُهُ الْغُسْلُ أَوْ الْوُضُوءُ. قال أبو محمد : وَالْعَجَبُ أَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ يُجْزِئُ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْوُضُوءِ وَلِلْحَيْضِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ , ثُمَّ يَمْنَعُ الْمُحْدِثَةَ وَالْمُتَطَهِّرَةَ مِنْ الْحَيْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَالْمُحْدِثَ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ فَقَدْ أَوْجَبَ أَنَّهُمَا عَمَلاَنِ مُتَغَايِرَانِ , فَكَيْفَ يُجْزِئُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا عَمَلٌ وَاحِدٌ قَالَ عَلِيٌّ : وَلاَ حُجَّةَ لِلْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً , لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ نِسَاءَنَا حَرْثًا لَنَا وَلِبَاسًا لَنَا , وَأَمَرَنَا بِالْوَطْءِ فِي الزَّوْجَاتِ وَذَوَاتِ الأَيْمَانِ , حَتَّى أَوْجَبَ تَعَالَى عَلَى الْحَالِفِ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَجَلاً مَحْدُودًا إمَّا أَنْ يَطَأَ وَأَمَّا أَنْ يُطَلِّقَ , وَجَعَلَ حُكْمَ الْوَاطِئِ وَالْمُحْدِثِ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ , وَالتَّيَمُّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ , لاَ فَضْلَ لاَِحَدِ الْعَمَلَيْنِ عَلَى الآخَرِ , وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَطْهَرَ مِنْ الآخَرِ ، وَلاَ بِأَتَمَّ صَلاَةً.فَصَحَّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمَهُ , فَلاَ مَعْنَى لِمَنْعِ مَنْ حُكْمُهُ التَّيَمُّمُ مِنْ الْوَطْءِ , كَمَا لاَ مَعْنَى لِمَنْعِ مَنْ حُكْمُهُ الْغُسْلُ مِنْ الْوَطْءِ , وَكُلُّ ذَلِكَ فِي النَّصِّ سَوَاءٌ , لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلاً وَالثَّانِي فَرْعًا , بَلْ هُمَا فِي الْقُرْآنِ سَوَاءٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَجَائِزٌ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ , وَالْمُتَوَضِّئُ الْمُتَيَمِّمِينَ , وَالْمَاسِحُ الْغَاسِلِينَ وَالْغَاسِلُ الْمَاسِحِينَ , لاَِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ , وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَطْهَرَ مِنْ الآخَرِ , وَلاَ أَحَدُهُمَا أَتَمَّ صَلاَةً مِنْ الآخَرِ , وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ , وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام غَيْرَ ذَلِكَ , وَلَوْ كَانَ هَهُنَا وَاجِبٌ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ عليه السلام لَبَيَّنَهُ ، وَلاَ أَهْمَلَهُ , حَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَسُفْيَانَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ , وَرُوِيَ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِيَ الْمَنْعُ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ : لاَ يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ ، وَلاَ الْمُقَيَّدُ الْمُطْلَقِينَ , وَقَالَ رَبِيعَةُ : لاَ يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ مِنْ جَنَابَةٍ إلاَّ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ ,. وَبِهِ يَقُولُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : لاَ يَؤُمُّهُمْ. وَكَرِهَ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ , فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : لاَ يَؤُمُّهُمْ إلاَّ إنْ كَانَ أَمِيرًا. قَالَ عَلِيٌّ : النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ كَرَاهَتُهُ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُ مَنْ قَسَّمَ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَيَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ كَمَا يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ ، وَلاَ فَرْقَ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما: أَنَّ الْجُنُبَ لاَ يَتَيَمَّمُ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ , وَعَنْ الأَسْوَدِ وَإِبْرَاهِيمَ مِثْلُ ذَلِكَ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , قَالَ وَاصِلٌ : سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُمَا خَيْرٌ مِنِّي يَقُولاَنِ : إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لَمْ يُصَلِّ يَعْنِي الْجُنُبَ قَالَ : وَأَنَا لَوْ لَمْ أَجِدْ الْمَاءَ لَتَيَمَّمْتُ وَصَلَّيْتُ. وَقَالَ الْحَكَمُ : سَأَلْتُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ إذَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ وَأَنْتَ جُنُبٌ قَالَ لاَ أُصَلِّي قَالَ شُعْبَةُ : وَقُلْتُ لاَِبِي إِسْحَاقَ : أَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إنْ لَمْ أَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا لَمْ أُصَلِّ يَعْنِي الْجُنُبَ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : قَالَ نَعَمْ وَالأَسْوَدُ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا عَوْفٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ ، حدثنا أَبُو رَجَاءٍ هُوَ الْعُطَارِدِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى بِالنَّاسِ فَلَمَّا انْفَتَلَ عليه السلام مِنْ صَلاَتِهِ إذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ، وَلاَ مَاءَ , قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : قلنا لَهُ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَقَالَ تَعَالَى : وَقَالَ تَعَالَى : فَإِنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ الْمُخَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصَلِّ , فَقَالَ أَحْسَنْتَ. وَجَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ : إنِّي أَجْنَبْتُ فَتَيَمَّمْتُ فَصَلَّيْتُ , قَالَ أَحْسَنْتَ قلنا : هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ , وَالْمُخَارِقُ ثِقَةٌ , تَابِعٌ , وَطَارِقٌ صَاحِبٌ , صَحِيحُ الصُّحْبَةِ مَشْهُورٌ وَالْخَبَرُ بِهِ نَقُولُ , وَهَذَا الَّذِي أَجْنَبَ فَلَمْ يُصَلِّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حُكْمُ التَّيَمُّمِ , فَأَصَابَ إذْ لَمْ يُصَلِّ بِمَا لاَ يَدْرِي , وَإِنَّمَا تَلْزَمُ الشَّرَائِعُ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فأما أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ فَرْضَ الْمُجْنِبِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ , فَيُخْطِئُ مَنْ تَرَكَ الْفَرْضَ مِمَّنْ عَلَيْهِ , أَوْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ لَيْسَ فَرْضَ الْمُجْنِبِ الْمَذْكُورِ فَيُخْطِئُ مَنْ فَعَلَهُ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ فَرْضُهُ بِمَا ذَكَرْنَا فِي خَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَالآخَرَ عَلِمَهُ , فَأَتَى بِهِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْحَائِضُ وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ , فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ وَكُلُّ مَأْمُورٍ بِالطَّهُورِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَالتُّرَابُ بِنَصِّ عُمُومِ هَذَا الْخَبَرِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَصِفَةُ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَيْضِ وَلِكُلِّ غُسْلٍ وَاجِبٍ وَلِلْوُضُوءِ صِفَةُ عَمَلٍ وَاحِدٍ , إنَّمَا يَجِبُ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْوَجْهَ الَّذِي تَيَمَّمَ لَهُ , مِنْ طَهَارَةٍ لِلصَّلاَةِ أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ إيلاَجٍ فِي الْفَرْجِ أَوْ طَهَارَةٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ مِنْ نِفَاسٍ أَوْ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ , ثُمَّ يَضْرِبُ الأَرْضَ بِكَفَّيْهِ مُتَّصِلاً بِهَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِمَا وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ وَظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى الْكُوعَيْنِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ ، وَلاَ الْكَفَّيْنِ ، وَلاَ يَمْسَحُ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّيَمُّمِ ذِرَاعَيْهِ ، وَلاَ رَأْسَهُ ، وَلاَ رِجْلَيْهِ ، وَلاَ شَيْئًا مِنْ جِسْمِهِ. أَمَّا النِّيَّةُ فَقَدْ ذَكَرْنَا وُجُوبَهَا قَبْلُ , وقال أبو حنيفة يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ بِلاَ نِيَّةٍ , وَلاَ يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ فِيهِمَا إلاَّ بِنِيَّةٍ , وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : كُلُّ ذَلِكَ يُجْزِئُ بِلاَ نِيَّةٍ , وَأَمَّا كَوْنُ عَمَلِ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَيْضِ وَلِلنِّفَاسِ وَلِسَائِرِ مَا ذَكَرْنَا كَصِفَتِهِ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَإِجْمَاعٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ كُلِّ مَنْ يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَغْسَالِ وَبِالتَّيَمُّمِ لَهَا. وَأَمَّا سُقُوطُ مَسْحِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ فِي التَّيَمُّمِ فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ , إلاَّ شَيْئًا فَعَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رضي الله عنه فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُ عَنْهُ عليه السلام , وَفِي سَائِرِ ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ , وَهُوَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا بِأَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ ، وَلاَ بُدَّ , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُ ذِرَاعَيْهِ إلَى الآبَاطِ , وَقَالَ آخَرُونَ إلَى الْمَرَافِقِ. فأما الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالآُخْرَى لِلْيَدَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ إلَى الْمَرَافِقِ , فَإِنَّهُ احْتَجُّوا بِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَأُخْرَى لِلذِّرَاعَيْنِ وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ عَمَّارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إلَى الْمِرْفَقَيْنِ " وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِكَّةٍ مِنْ السِّكَكِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عليه السلام عَلَى الْحَائِطِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ , ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ , وَقَالَ عليه السلام : إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلاَمَ إلاَّ أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ. ثُمَّ بِحَدِيثِ الأَسْلَعِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الأَعْرَجِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَسَكَتَ عليه السلام حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالصَّعِيدِ , فَقَالَ : قُمْ يَا أَسْلَعُ فَارْحَلْ , قَالَ : ثُمَّ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّيَمُّمَ , فَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ حَتَّى أَمَرَّ عَلَى لِحْيَتِهِ , ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الأَرْضِ فَمَسَحَ كَفَّيْهِ الأَرْضَ فَدَلَّكَ إحْدَاهُمَا بِالآُخْرَى ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا. وَبِحَدِيثٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا , ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلاَّ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَبِحَدِيثٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَبِحَدِيثٍ عَنْ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. وَقَالُوا : قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ , مِنْ فُتْيَاهُمْ وَفِعْلِهِمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ , ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ وَالْيَدَيْنِ , قَالُوا وَالتَّيَمُّمُ بَدَلٌ مِنْ الْوُضُوءِ , فَلَمَّا كَانَ يُجَدِّدُ الْمَاءَ لِلْوَجْهِ وَمَاءً آخَرَ لِلذِّرَاعَيْنِ وَجَبَ كَذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ , وَلَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ الَّذِي هُوَ بَدَلُهُ كَذَلِكَ. هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ , وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا الأَخْبَارُ فَكُلُّهَا سَاقِطَةٌ , لاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْيَافِعِيِّ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , فَفِيهِ عِلَّتَانِ : إحْدَاهُمَا الْقَاسِمُ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَالثَّانِيَةُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقَدْ دَلَّسَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ جَعْفَرٍ. وَمُحَمَّدٌ لَمْ يُدْرِكْ جَعْفَرَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ عَمَّارٍ , فَلَمْ يُسَمِّ قَتَادَةَ مَنْ حَدَّثَهُ. وَالأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ كُلُّهَا عَنْ عَمَّارٍ بِخِلاَفِ هَذَا , فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , ، وَمُحَمَّدُ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ ضَعِيفٌ لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , لاَِنَّ فِيهِ التَّيَمُّمَ فِي الْحَضَرِ لِلصَّحِيحِ , وَالتَّيَمُّمَ لِرَدِّ السَّلاَمِ , وَتَرْكَ رَدِّ السَّلاَمِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ , وَمِنْ الْمَقْتِ احْتِجَاجُ امْرِئٍ بِمَا لاَ يَرَاهُ لاَ هُوَ ، وَلاَ خَصْمُهُ حُجَّةً وَاحْتِجَاجُهُ بِشَيْءٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ , فَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً فِي التَّيَمُّمِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ , فَهُوَ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ رَدِّ السَّلاَمِ إلاَّ عَلَى طُهْرٍ , وَفِي التَّيَمُّمِ بَيْنَ الْحِيطَانِ فِي الْمَدِينَةِ لِرَدِّ السَّلاَمِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي هَذَا فَلَيْسَ حُجَّةً فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ. فَإِنْ قَالُوا : هُوَ عَلَى النَّدْبِ , قلنا : وَكَذَلِكَ قُولُوا فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ فِيهِ مَرَّتَيْنِ وَإِلَى الْمِرْفَقَيْنِ أَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ ، وَلاَ فَرْقَ , فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ الأَسْلَعِ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ ; لاَِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيِّ عَنْ عَلِيلَةَ هُوَ الرَّبِيعُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ الأَسْلَعِ , وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَلَيْسُوا بِشَيْءٍ ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَإِنَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ , وَهَذَا كَمَا تَرَى , لاَ نَدْرِي مَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ , فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَسُلَيْمَانُ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيُّ ضَعِيفٌ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْوَاقِدِيِّ فَأَسْقَطُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِهِ , لاَِنَّهُ عَنْ الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ ثُمَّ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِهِ , فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِمَا صَحَّ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ , فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ : لاَ يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا , وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ , فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى ذَلِكَ , فَمَا الَّذِي جَعَلَهُمْ حُجَّةً حَيْثُ يَشْتَهِي هَؤُلاَءِ , وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ حُجَّةً حَيْثُ لاَ يَشْتَهُونَ هَذَا مُوجِبٌ لِلنَّارِ فِي الآخِرَةِ وَلِلْعَارِ فِي الدُّنْيَا , فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عُمَرَ وَابْنَهُ وَجَابِرًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٌ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ , عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ مِنْ الْوُضُوءِ , فَيُقَالُ لَهُمْ : فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ عَلَى صِفَةِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا فَأَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحُكْمِ الَّذِي قَضَيْتُمْ أَنَّهُ حَقٌّ , فَأَسْقَطْتُمْ فِي التَّيَمُّمِ الرَّأْسَ وَالرِّجْلَيْنِ , وَهُمَا فَرْضَانِ فِي الْوُضُوءِ وَأَسْقَطْتُمْ جَمِيعَ الْجَسَدِ فِي التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَهُوَ فَرْضٌ فِي الْغُسْلِ , وَأَوْجَبْتُمْ أَنْ يُحْمَلَ الْمَاءُ إلَى الأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ , وَلَمْ تُوجِبُوا حَمْلَ شَيْءٍ مِنْ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ , وَأَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْهُمْ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَأَوْجَبَهَا فِي التَّيَمُّمِ , ثُمَّ أَيْنَ وَجَدْتُمْ فِي الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الإِجْمَاعِ أَنَّ الْبَدَلَ لاَ يَكُونُ إلاَّ عَلَى صِفَةِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَهَلْ هَذَا إلاَّ دَعْوَى فَاسِدَةٌ كَاذِبَةٌ وَقَدْ وَجَدْنَا الرَّقَبَةَ وَاجِبَةً فِي الظِّهَارِ وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ وَكَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ عَمْدًا نَهَارًا فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ , ثُمَّ عَوَّضَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَبْدَلَ مِنْ رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ صِيَامَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَمِنْ رِقَابِ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ وَالظِّهَارِ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ , وَعَوَّضَ مِنْ ذَلِكَ إطْعَامًا فِي الظِّهَارِ وَالْجِمَاعِ , وَلَمْ يُعَوِّضْهُ فِي الْقَتْلِ , وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا التَّيَمُّمَ عَلَى الْوُضُوءِ , قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , وَهَلاَّ قِسْتُمْ مَا يُتَيَمَّمُ مِنْ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا يُقْطَعُ مِنْ الْيَدَيْنِ فِي السَّرِقَةِ كَمَا تَرَكْتُمْ أَنْ تَقِيسُوا مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ فَرْجُ الْحُرَّةِ فِي النِّكَاحِ عَلَى مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ فَرْجُ الأَمَةِ فِي الْبَيْعِ , وَقِسْتُمُوهُ عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ فَرَّقْتُمْ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ بَيْنَ حُكْمِ التَّيَمُّمِ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ فِي سُقُوطِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ دُونَ الْوُضُوءِ , وَسُقُوطِ الْجَسَدِ كُلِّهِ فِي التَّيَمُّمِ دُونَ الْغُسْلِ. وَيُقَالُ لَهُمْ كَمَا جَعَلْتُمْ سُكُوتَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذِكْرِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ دَلِيلاً عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ فِيهِ وَلَمْ تَقِيسُوهُ عَلَى الْوُضُوءِ , فَهَلاَّ جَعَلْتُمْ سُكُوتَهُ تَعَالَى عَنْ ذِكْرِ التَّحْدِيدِ إلَى الْمَرَافِقِ فِي التَّيَمُّمِ دَلِيلاً عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ , وَلاَ تَقِيسُوهُ عَلَى الْوُضُوءِ كَمَا فَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي سُكُوتِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ دَيْنِ الرَّقَبَةِ فِي الظِّهَارِ , وَلَمْ يَقِيسُوهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي رَقَبَةِ الْقَتْلِ , وَإِذَا قِسْتُمْ التَّيَمُّمَ لِلْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ فَقِيسُوا التَّيَمُّمَ لِلْجَنَابَةِ عَلَى الْجَنَابَةِ , فَعُمُّوا بِهِ الْجَسَدَ وَهَذَا مَا لاَ مَخْلَصَ مِنْهُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ , ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ فَقَطْ , وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَرَمِيِّ بْنِ عُمَارَةَ ، حدثنا الْحَرِيشُ بْنُ الْخِرِّيتِ أَخُو الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرْبَةً وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ , ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى الأَرْضِ أُخْرَى فَمَسَحَ بِهَا كَفَّيْهِ. وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ. قال علي : وهذا لاَ شَيْءَ ; لاَِنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْحَرِيشِ بْنِ الْخِرِّيتِ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِمَّنْ رَأَى أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالآُخْرَى لِلْيَدَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ : الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ. وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالاَ : إلاَّ أَنْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ ذَلِكَ فَنَقُولَ بِهِ , وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ , وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ , وَلَمْ يُرَ عَلَى مَنْ تَيَمَّمَ إلَى الْكُوعَيْنِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ إلاَّ فِي الْوَقْتِ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ إلَى الْمَنَاكِبِ , وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْعَظِيمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عَمِّهِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ : تَيَمَّمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحْنَا بِوُجُوهِنَا وَأَيْدِينَا إلَى الْمَنَاكِبِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ : حدثنا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فَذَكَرَ نُزُولَ آيَةِ التَّيَمُّمِ قَالَ : فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبُوا أَيْدِيَهُمْ إلَى الأَرْضِ ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنْ التُّرَابِ شَيْئًا , فَمَسَحُوا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَنَاكِبِ , وَمِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ إلَى الآبَاطِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ : حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارٍ , وَبِهِ كَانَ يَقُولُ عَمَّارٌ وَالزُّهْرِيُّ , رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ الْوَاشِحِيِّ , حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ : التَّيَمُّمُ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ. قال علي : هذا أَثَرٌ صَحِيحٌ إلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ بِبَيَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ حُكْمَ التَّيَمُّمِ وَفَرْضَهُ , وَلاَ نَصُّ بَيَانٍ بِأَنَّهُ عليه السلام عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ , فَيَكُونُ ذَلِكَ نَدْبًا مُسْتَحَبًّا , وَلاَ حُجَّةَ فِي فِعْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَطُولُ مِمَّنْ يَرَى إنْكَارَ عُمَرَ عَلَى عُثْمَانَ إنْ لَمْ يُصَلِّ الْغُسْلَ بِالرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، : حُجَّةً فِي إبْطَالِ وُجُوبِ الْغُسْلِ , وهذا الخبر مُؤَكِّدٌ لِوُجُوبِهِ مُنْكِرٌ لِتَرْكِهِ , ثُمَّ لاَ يَرَى عَمَلَ الْمُسْلِمِينَ فِي التَّيَمُّمِ إلَى الْمَنَاكِبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةً فِي وُجُوبِ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذْ لاَ حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الآثَارِ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ كَمَا ذَكَرْنَا فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ , فَفَعَلْنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ ذَرٍّ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْهَبِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى هُوَ سَعِيدٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَكْفِيكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ , وَفِيهِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لاِبْنِ مَسْعُودٍ " أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ , فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ , ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا , ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً , ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ وبه إلى مُسْلِمٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ شُعْبَةَ ، حدثنا الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ : إنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً , قَالَ عُمَرُ لاَ تُصَلِّ , فَقَالَ عَمَّارٌ : أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً , فأما أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ , وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ الأَرْضَ بِيَدَيْكَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ عَلِيٌّ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ إبْطَالُ الْقِيَاسِ ; لاَِنَّ عَمَّارًا قَدَّرَ أَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ مِنْ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ , إذْ هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ , فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ , وَأَعْلَمَهُ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمَهُ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فَقَطْ , وَفِيهِ أَنَّ الصَّاحِبَ قَدْ يَهِمُ وَيَنْسَى , وَفِيهِ نَصُّ حُكْمِ التَّيَمُّمِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حدثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ , فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ , حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ السَّلاَمَ. قال أبو محمد : هَذَا هُوَ الثَّابِتُ لاَ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَهَذَا فِعْلٌ مُسْتَحَبٌّ يَعْنِي التَّيَمُّمَ لِرَدِّ السَّلاَمِ فِي الْحَضَرِ. وَبِهَذَا يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ , كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ. وَرُوِّينَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا شُعْبَةُ ، حدثنا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ : التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ , وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : التَّيَمُّمُ هَكَذَا وَضَرَبَ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. قال أبو محمد : هَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ فِي الْخُطْبَةِ , فَلَمْ يُخَالِفْهُ مِمَّنْ حَضَرَ أَحَدٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ ، حدثنا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ كَانَا يَقُولاَنِ : التَّيَمُّمُ لِلْكَفَّيْنِ وَالْوَجْهِ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَبِهَذَا كَانَ يَقُولُ عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ , وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَبِهِ يَقُولُ الأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَمَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ لِمَنْ أَوْجَبَهُ حُجَّةً إلاَّ قِيَاسَ ذَلِكَ عَلَى اسْتِيعَابِهِمَا بِالْمَاءِ. قال أبو محمد : وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً ; لاَِنَّ حُكْمَ الرِّجْلَيْنِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فِي الْوُضُوءِ الْغُسْلُ , فَلَمَّا عَوَّضَ مِنْهُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ سَقَطَ الاِسْتِيعَابُ عِنْدَهُمْ , فَيَلْزَمُهُمْ إنْ كَانُوا يَدْرُونَ مَا الْقِيَاسُ أَنَّ كَذَلِكَ لَمَّا كَانَ حُكْمُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ الْغُسْلَ , ثُمَّ عَوَّضَ مِنْهُ الْمَسْحَ فِي التَّيَمُّمِ , أَنْ يَسْقُطَ الاِسْتِيعَابُ كَمَا سَقَطَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , لاَ سِيَّمَا وَمِنْ أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ لاَ يَقْوَى قُوَّةَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ قال أبو محمد : هَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ , وَإِنَّمَا نُورِدُهُ لِنُرِيَهُمْ تَنَاقُضَهُمْ وَفَسَادَ أُصُولِهِمْ , وَهَدْمَ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ , كَمَا نَحْتَجُّ عَلَى كُلِّ مِلَّةٍ وَكُلِّ نِحْلَةٍ وَكُلِّ قَوْلَةٍ بِأَقْوَالِهَا الْهَادِمِ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ , لاَِنَّهُمْ يُصَحِّحُونَهَا كُلَّهَا , لاَ عَلَى أَنَّنَا نُصَحِّحُ مِنْهَا شَيْئًا , وَإِنَّمَا عُمْدَتُنَا هَهُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَقَالَ تَعَالَى : قال أبو محمد : وَالْعَجَبُ أَنَّ لَفْظَةَ الْمَسْحِ لَمْ تَأْتِ فِي الشَّرِيعَةِ إلاَّ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ ، وَلاَ مَزِيدَ : مَسْحُ الرَّأْسِ وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ وَمَسْحٌ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , وَمَسْحُ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ , وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ خُصُومِنَا الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي أَنَّ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ وَمَسْحَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ لاَ يَقْتَضِي الاِسْتِيعَابَ , وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , ثُمَّ نَقَضُوا ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ , فَأَوْجَبُوا فِيهِ الاِسْتِيعَابَ تَحَكُّمًا بِلاَ بُرْهَانٍ , وَاضْطَرَبُوا فِي الرَّأْسِ , فَلَمْ يُوجِبْ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَلاَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ الاِسْتِيعَابَ , وَهَمَّ مَالِكٌ بِأَنْ يُوجِبَهُ , وَكَادَ فَلَمْ يَفْعَلْ , فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَخْصِيصُ الْمَسْحِ فِي التَّيَمُّمِ بِالاِسْتِيعَابِ بِلاَ حُجَّةٍ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ ، وَلاَ مِنْ لُغَةٍ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنْ عَدِمَ الْمَيِّتُ الْمَاءَ يُمِّمَ كَمَا يَتَيَمَّمُ الْحَيُّ ; لاَِنَّ غُسْلَهُ فَرْضٌ , وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ , فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ طَهُورٍ وَاجِبٍ , وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ كُلَّ غُسْلٍ طَهُورٌ. وَلاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلاَّ بِالأَرْضِ , ثُمَّ تَنْقَسِمُ الأَرْضُ إلَى قِسْمَيْنِ : تُرَابٌ وَغَيْرُ تُرَابٍ , فأما التُّرَابُ فَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ , كَانَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الأَرْضِ أَوْ مَنْزُوعًا مَجْعُولاً فِي إنَاءٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ أَوْ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ , أَوْ نُفِضَ غُبَارٌ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ , فَاجْتُمِعَ مِنْهُ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْكَفُّ , أَوْ كَانَ فِي بِنَاءِ لَبِنٍ أَوْ طَابِيَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , وَأَمَّا مَا عَدَا التُّرَابَ مِنْ الْحَصَى أَوْ الْحَصْبَاءِ أَوْ الصَّحْرَاءِ أَوْ الرَّضْرَاضِ أَوْ الْهِضَابِ أَوْ الصَّفَا أَوْ الرُّخَامِ أَوْ الرَّمْلِ أَوْ مَعْدِنِ كُحْلٍ أَوْ مَعْدِنِ زِرْنِيخٍ أَوْ جَيَّار أَوْ جِصٍّ أَوْ مَعْدِنِ ذَهَبٍ أَوْ تُوتِيَاءَ أَوْ كِبْرِيتٍ أَوْ لاَزَوَرْدَ أَوْ مَعْدِنِ مِلْحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ فِي الأَرْضِ غَيْرَ مُزَالٍ عَنْهَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ فَالتَّيَمُّمُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ , وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُزَالٌ إلَى إنَاءٍ أَوْ إلَى ثَوْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِشَيْءٍ مِنْهُ , وَلاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالآجُرِّ , فَإِنْ رُضَّ حَتَّى يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ تُرَابٍ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ , وَكَذَلِكَ الطِّينُ لاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ , فَإِنْ جَفَّ حَتَّى يُسَمَّى تُرَابًا جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ , وَلاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمِلْحٍ انْعَقَدَ مِنْ الْمَاءِ كَانَ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ , وَلاَ بِثَلْجٍ ، وَلاَ بِوَرَقٍ ، وَلاَ بِحَشِيشٍ ، وَلاَ بِخَشَبٍ ، وَلاَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحُولُ بَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ وَبَيْنَ الأَرْضِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ وَقَالَ عليه السلام : جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلاَّ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْتِ النَّصُّ إلاَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الصَّعِيدِ , وَهُوَ وَجْهُ الأَرْضِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَبِالأَرْضِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَبِالتُّرَابِ فَقَطْ فَوَجَدْنَا التُّرَابَ سَوَاءٌ كَانَ مَنْزُوعًا عَنْ الأَرْضِ , مَحْمُولاً فِي ثَوْبٍ أَوْ فِي إنَاءٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ إنْسَانٍ أَوْ عَرَقِ فَرَسٍ أَوْ لَبَدٍ أَوْ كَانَ لَبِنًا أَوْ طَابِيَةً أَوْ رُضَاضَ آجُرٍّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تُرَابٌ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ هَذَا الاِسْمُ , فَكَانَ التَّيَمُّمُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ جَائِزًا , وَوَجَدْنَا الآجُرَّ وَالطِّينَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا اسْمُ تُرَابٍ وَاسْمُ أَرْضٍ وَاسْمُ صَعِيدٍ فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ , فَإِذَا رُضَّ أَوْ جُفِّفَ عَادَ عَلَيْهِ اسْمُ تُرَابٍ فَجَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ , وَوَجَدْنَا سَائِرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الصَّخْرِ وَمِنْ الرَّمْلِ , وَمِنْ الْمَعَادِنِ مَا دَامَتْ فِي الأَرْضِ , فَإِنَّ اسْمَ الصَّعِيدِ وَاسْمَ الأَرْضِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ , فَكَانَ التَّيَمُّمُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزًا , وَوَجَدْنَا كُلَّ ذَلِكَ إذَا أُزِيلَ عَنْ الأَرْضِ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الأَرْضِ وَاسْمُ الصَّعِيدِ وَلَمْ يُسَمَّ تُرَابًا , فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَوَجَدْنَا الْمِلْحَ الْمُنْعَقِدَ مِنْ الْمَاءِ , وَالثَّلْجَ وَالْحَشِيشَ وَالْوَرَقَ لاَ يُسَمَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ صَعِيدًا ، وَلاَ أَرْضًا ، وَلاَ تُرَابًا , فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ , وَفِي هَذَا خِلاَفٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ قَالَ : إنْ وُضِعَ التُّرَابُ فِي ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ , وَهَذَا تَفْرِيقٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ , وقال مالك : يَتَيَمَّمُ عَلَى الثَّلْجِ , وَرُوِيَ أَيْضًا ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ , وَهَذَا خَطَأٌ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ. فإن قيل : مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الأَرْضِ فَهُوَ أَرْضٌ. قِيلَ لَهُمْ فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ قَتْلَى أَوْ غَنَمٌ أَوْ ثِيَابٌ أَوْ خَشَبٌ أَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الأَرْضِ فَيُتَيَمَّمُ عَلَيْهِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُمْ : إنَّ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الأَرْضِ فَهُوَ أَرْضٌ أَوْ مِنْ الأَرْضِ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ لُغَةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ ". قَالَ عَلِيٌّ : وَالثَّلْجُ وَالطِّينُ وَالْمِلْحُ لاَ يُتَوَضَّأُ بِشَيْءٍ مِنْهَا ، وَلاَ يُتَيَمَّمُ , لاَِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُسَمَّى مَاءً ، وَلاَ تُرَابًا ، وَلاَ أَرْضًا ، وَلاَ صَعِيدًا , فَإِذَا ذَابَ الْمِلْحُ وَالثَّلْجُ فَصَارَا مَاءً جَازَ الْوُضُوءُ بِهِمَا , لاَِنَّهُمَا مَاءٌ , وَإِذَا جَفَّ الطِّينُ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ لاَِنَّهُ تُرَابٌ. وقال الشافعي وَأَبُو يُوسُفَ : لاَ يَتَيَمَّمُ إلاَّ بِالتُّرَابِ خَاصَّةً , لاَ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ , فَادَّعَوْا أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا بَيَانٌ لِمُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّعِيدِ , وَلِمُرَادِهِ عليه السلام بِقَوْلِهِ جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا. قال علي : وهذا خَطَأٌ ; لاَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : قَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ عليه السلام فَهُوَ حَقٌّ , فَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الأَرْضُ مَسْجِدٌ وَطَهُورٌ وَقَالَ عليه السلام : الأَرْضُ مَسْجِدٌ وَتُرْبَتُهَا طَهُورٌ فَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ , وَكُلُّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ بِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهُ لِشَيْءٍ آخَرَ فَالتُّرَابُ كُلُّهُ طَهُورٌ وَالأَرْضُ كُلُّهَا طَهُورٌ وَالصَّعِيدُ كُلُّهُ طَهُورٌ , وَالآيَةُ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِي عُمُومِ الأَرْضِ زَائِدٌ حُكْمًا عَلَى حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي الاِقْتِصَارِ عَلَى التُّرْبَةِ , فَالأَخْذُ بِالزَّائِدِ وَاجِبٌ , وَلاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ الأَخْذِ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ , وَفِي الاِقْتِصَارِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مُخَالَفَةٌ لِلْقُرْآنِ وَلِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وقال أبو حنيفة : الصَّعِيدُ كُلُّهُ يُتَيَمَّمُ بِهِ , كَالتُّرَابِ وَالطِّينِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْجِيرِ وَالْكُحْلِ والمرادسنج وَكُلُّ تُرَابٍ نُفِّضَ مِنْ وِسَادَةٍ أَوْ فِرَاشٍ أَوْ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ : فَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : إنْ كَانَ فِي ثَوْبِكَ أَوْ سَرْجِكَ أَوْ بَرْدَعَتِكَ تُرَابٌ أَوْ عَلَى شَجَرٍ فَتَيَمَّمْ بِهِ , وَهَذَا قَوْلُنَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ الأَعْمَشُ : يُقَدَّمُ فِي التَّيَمُّمِ الْيَدَانِ قَبْلَ الْوَجْهِ , وقال الشافعي يُقَدَّمُ الْوَجْهُ عَلَى الْكَفَّيْنِ ، وَلاَ بُدَّ , وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ تَقْدِيمَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَبِهَذَا نَقُولُ ; لاَِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلاَمٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّيَمُّمَ فَضَرَبَ ضَرْبَةً بِكَفَّيْهِ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ فَكَانَ هَذَا حُكْمًا زَائِدًا , وَبَيَانًا أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ جَائِزٌ , بِخِلاَفِ الْوُضُوءِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَمَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فَبَدَأَ بِالْوَجْهِ فَحَسَنٌ , وَمَنْ أَخَذَ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ فَبَدَأَ بِالْيَدَيْنِ قَبْلَ الْوَجْهِ فَحَسَنٌ , ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا قَوْلَهُ عليه السلام ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُجْزِئَ إلاَّ الاِبْتِدَاءُ بِالْوَجْهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ.
|